اخبار لم تسمع عنها وفيديوهات لم تشاهدها واصدقاء بانتضارك على الشات

شاهد بيتك او مدينتك عبر القمر الصناعي

قصة انتحار عبدالحكيم عامر ..الايام الاخيرة


تظل حادثة انتحار المشير عبد الحكيم عامر واحدة من أكثر حوادث الانتحار السياسي إثارة للجدل والشكوك والتكهنات في ان واحد. فالحادثة التي جرت في الرابع عشر من سبتمبر من العام 1967 بفيللا صغيرة بإحدي ضواحي الجيزة ما زالت تثير بين الحين والاخر الزوابع بل والاعاصير، التي وصل بعضها الي قاعات المحاكم من خلال بعض افراد اسرة المشير التي ما زالت تصر حتي الان علي أنه "مات مقتولا ولم ينتحر".

في مذكراته التي بدأ السيد سامي شرف في نشرها تباعا في صحيفة "الخليج" الاماراتية، يكشف مدير مكتب الرئيس عبد الناصر لشؤون المعلومات العديد من الاسرار الجديدة في تأزم العلاقة بين الرئيس عبد الناصر والمشير، ويروي بالتفصيل وقائع الايام الاخيرة من حياة المشير، والعديد من اسرار الازمة التي بدأت تشتد عقب نكسة يونيو من العام 1967.

عبد الناصر اقاله من قيادة الجيش وعينه نائبا له والمشير كان يقول لاتباعه: لن اعمل طرطورا أو تشريفاتي مثل صلاح الشاهد

الثابت أن العلاقة بين الرئيس جمال عبدالناصر والمشير عبد الحكيم عامر فسدت علي نحو درامي وسريع عقب فجيعة نكسة يونيو المدوية، التي أصدر الرئيس عبد الناصر يعدها قرارا بتنحية عبد الحكيم عامر عن قيادة الجيش وتعيينه نائبا للرئيس، وهو القرار الذي رفضه المشير بشدة، وحزم حقائبة واتجه الي بلدته في الصعيد ليقضي بها بعض الوقت، غير أنه سرعان ما عاد الي القاهرة بعد ايام وتحديدا في أول يوليو 1967، واستقر في منزله بالجيزة. ويؤكد السيد سامي شرف في مذكراته أن نية الرئيس كانت قد استقرت حينذاك ودون تراجع علي تنحية عبدالحكيم عامر ومعه شمس بدران، وإن واصل في الوقت ذاته محاولات احتواء الأزمة ومنع تفاقمها.

اقطاعية تابعة للمشير
كان جوهر القضية حسبما يشير سامي شرف في مذكراته هو أن المشير "كان ينظر إلي الجيش علي أنه إقطاعية تابعة له ولا يريد التنازل عنها تحت أية ظروف، بل أنه كان يري أيضا في استرداده سلطاته في الجيش بمثابة رد اعتبار له في ضوء مسؤوليته الكبري عن وقوع الهزيمة العسكرية، في نفس الوقت الذي كان يسعي فيه الرئيس عبدالناصر إلي إعادة بناء قوات مسلحة جديدة محترفة ووفقا لمعايير تختلف تماما عما كان سائدا قبل النكسة، والعمل علي إبعادها عن الصراعات السياسية وتفرغها الكامل للمعركة القادمة من أجل استرداد الأرض المحتلة.

ويقول سامي شرف أن شمس بدران حاول التقدم بحلول وسط، لكن جمال عبدالناصر أصر علي عدم عودة المشير عامر إلي القوات المسلحة مرة أخري، بينما أقدم المشير علي بعض التصرفات التي زادت الأزمة اشتعالا ربما كان من اهمها قيامه بتوزيع نص استقالة زعم أنه قدمها للرئيس عبدالناصر بعد النكسة، بينما كانت هي نفس الاستقالة التي سبق أن تقدم بها عقب أزمة مجلس الرئاسة سنة 1962 ، وكانت شقيقة السيدة نفيسة عبدالحميد حواس الشهيرة ببرلنتي عبدالحميد، زوجة المشير عامر- بعقد عرفي- وتدعي السيدة زهرة هي التي قامت بإعادة طبع هذه الاستقالة في إحدي قري مركز دكرنس بمحافظة الدقهلية، وقامت بتوزيعها هي وزوجها، بهدف خلق رأي عام مؤيد للمشير، وقام جهاز المباحث العامة بضبطهما مع الآلة الكاتبة والمطبعة.

كان الغالبيبة العظمي من رجال الثورة في تلك الايام العصيبة عقب نكسة يونيو مقتنعين بأن الرئيس لن يتراجع عن ابعاد المشير عن القوات المسلحة كحد أدني، حسبما يقول سامي شرف، فيما كان البعض الاخر يري في قبول ذلك اقرار بادانة المشير وتثبيت أنه المسؤول عن الهزيمة العسكرية، لكن عباس رضوان نجح في اقناع المشير عبدالحكيم عامر بالتوجه لمقابلة الرئيس في منشية البكري. وقد كان ذلك اللقاء هو نقطة البداية للعملية "جونسون" التي وضعها الرئيس عبد الناصر لمحاكمة المشير عامر أمام مجلس قيادة الثورة، واعلانه بقرار عزله من قيادة الجيش.

العملية جونسون
المشير كان ينظر إلي الجيش علي أنه إقطاعية تابعة له وكان يري في استرداده لسلطاته رد اعتبار له في ضوء مسئوليته عن وقوع هزيمة يونيو

ويروي سامي شرف قصة تلك العملية قائلا: التقينا نحن الثلاثة في مكتبي عقب صلاة الجمعة الموافق 25 أغسطس من العام 1967 شعراوي جمعة وأمين هويدي وأنا، دخلنا الي منزل الرئيس، وفي الصالون قام الرئيس بالمراجعة النهائية للخطة وأقرها، وقال ان ساعة الصفر هي الرابعة بعد الظهر من نفس اليوم، ويضيف سامي شرف:" خرجنا الي مكتبي وقررنا تأخير بدء الاتصالات واستدعاء المسؤولين الذين سيشاركون في التنفيذ لآخر لحظة ممكنة حيث اتصلت في الرابعة تماما بالرئيس تليفونيا لأخذ موافقته النهائية علي بدء العملية.

عندما اكتمل وصول الذين استدعيناهم، عقد في مكتبي اجتماع كان الحضور فيه كلا من: شعراوي جمعة وزير الداخلية، وأمين هويدي وزير الحربية، والفريق أول محمد فوزي القائد العام للقوات المسلحة، واللواء محمد أحمد صادق مدير المخابرات الحربية، واللواء حسن طلعت مدير المباحث العامة، والعميد محمد الليثي ناصف قائد الحرس الجمهوري، والعميد سعد زغلول عبدالكريم مدير الشرطة العسكرية، وتم تلقين الحضور كل فيما يخصه من واجبات حسبما ورد في الخطة، مع التنبيه مشددا علي محاولة تفادي اطلاق النار قدر المستطاع.

المحاكمة
في الساعة السادسة والنصف بدأ وصول أعضاء مجلس قيادة الثورة، وبعد نحو خمس عشرة دقيقة أي في السابعة الا ربعاً تقريبا وصل المشير عبدالحكيم عامر.

ويقول السيد سامي شرف عن تلك اللحظات الحرجة : قمت مع شعراوي جمعة بتنفيذ مهمتنا، وكانت تتمثل في اعتقال المرافقين للمشير ووضع سيارته تحت الحراسة بعد تفتيشها في جاراج منشية البكري".

ووفق ما كان واردا في الخطة فقد دخل الي منزل الرئيس في الساعة السابعة تماما كل من:أمين هويدي ومحمد المصري من مكتب سامي شرف، وأحد الضباط الأحرار والعميد صلاح شهيب من الياوران، وأحمد شهيب من الضباط الأحرار وعضو مجلس الأمة عن دائرة مصر الجديدة، وكان العميد محمد الليثي ناصف يمر باستمرار حول المنطقة وداخل المنزل، ويقول مدير مكتب الرئيس عبد الناصر في مذكراته: بدأت من مكتبي والي جواري شعراوي جمعة في تسجيل ما يدور داخل الصالون الرئيسي بمنشية البكري، وللتاريخ فان ما دار قد تم تسجيله بالكامل، ولا أعلم أين توجد الآن هذه التسجيلات وان كنت قد أودعتها في أرشيف التسجيلات السري للغاية في سكرتاريا الرئيس للمعلومات بمنشية البكري، وما أذكره الآن أن حوارا تم أساسا بين جمال عبدالناصر وعبدالحكيم عامر، استعرض فيه الرئيس تاريخ العلاقة الوطيدة والصداقة المتينة مع عامر وتطوراتها علي مدي السنوات الطويلة السابقة، وعلي الرغم من انه كان من الواجب مساءلة المشير عامر عما حدث في أزمات 1956 و1961 و1962 بالدرجة الأولي وغيرها وأخيرا ما حدث في يونيو1967 فقد تم احتواء كل هذه الأزمات بتأثير الصداقة، وحفاظا علي وحدة القيادة ووحدة البلاد، واستطرد الرئيس موجها كلامه للمشير بما نصه حسبما أذكر بقدر الامكان:

"...ولكن كونك تتآمر يا عبدالحكيم - وليس يا حكيم كما كان يناديه باستمرار وكما تعودنا كلنا علي سماعه- فهذا وضع لا يمكن قبوله أو السكوت عليه، ويعني أيضا أنك تتنكر للاتفاق الذي تم بيننا عقب نجاح الثورة في 23يوليو، من أن أي واحد فينا من أعضاء مجلس قيادة الثورة اذا اختلف أو لم يكمل المسيرة لأي سبب، لا يتآمر".

فقاطعه المشير عامر قائلا: "أنا لا أتآمر ولم أتآمر وأنا بأرفض كلامك ده!".

فرد الرئيس قائلا: "انت تآمرت فعلا وسوف أذكر لك حادثة واحدة من وقائع ثابتة، عندي الكثير منها وبأقول لك: انت بعثت بسكرتيرك محمود أحمد طنطاوي للفريق صدقي محمود من خمسة أيام برسالة تتضمن انك تنوي الاستيلاء علي السلطة، وانك تطلب من صدقي محمود أن يشترك معاك ويحضر لمقابلتك، ولكن صدقي أبدي عدم موافقته لدرجة أن حرم الفريق صدقي شتمت سكرتيرك وطردته من المنزل وقفلت الباب بشدة خلفه، ودي واحدة من آلاف غيرها.

ويقول سامي شرف أن عبدالناصر أضاف مخاطبا عامر: تحب نقول وقائع تآمرية تانية علشان الاخوة كمان يعرفوا ويتأكدوا من اللي بيحصل من تصرفات غير مسؤولة، وغير محسوب المصائب اللي حا تترتب علي المضي فيها بلا حساب لما نحن فيه من وضع حساس داخليا وخارجيا؟ فسكت المشير لكن عبد الناصر استطرد قائلا:

" أنا في الحقيقة موش عارف ليه انت بتربط نفسك بالقوات المسلحة وبقيادة الجيش، هل احنا لما قمنا بالثورة كان هدفنا أن أتولي أنا رئاسة البلد وانت تتولي قيادة الجيش ؟..
عايز أفكركم كلكم وانت بالذات مين اللي رشحك، واقترح وأصر علي تعيينك قائدا عاما موش أنا اللي كنت وراء هذا التعيين؟،
واذا كان الأمر كذلك طيب ألم يكن من الطبيعي بعد الانفصال وما حدث وموقف الجيش ومكتبك هناك ودورك أن تحاسب علي ما حدث؟ .. حتي بعد ذلك ألم تكن هناك أكثر من مؤامرة ضد النظام ضبطت وهي من صنع رجال يعملون في مكتبك يا عبدالحكيم؟.

ويقول سامي شرف في مذكراته أن المشير لم يتمالك اعصابه عند هذا الحد من اللقاء، فانفعل وبدأ يفقد أعصابه فقال له الرئيس: الأمور واضحة.. انت راجل متآمر وعليك أن تقدر الموقف الصعب اللي بنمر فيه وعليك أن تلزم بيتك من الليلة.

عبد الناصر اقام محاكمة للمشير في منشية البكري بحضور مجلس قيادة الثورة والمشير يقول لامين هويدي: رتبتم كل حاجة .. واضح ان الحكاية محبوكة علي الاخر

وبالطبع رفض عبدالحكيم عامر بشدة هذا القرار، وهو ما دفع بعض الحاضرين - الأصوات كانت متداخلة لكن كان من بينهم صوت السادات- الي محاولة اقناع المشير بقبول هذا القرار، إلا أنه قال لهم في غضب:" انتم بتحددوا اقامتي وبتحطوني تحت التحفظ قطع لسانك يا...

ويقول سامي شرف أن عبد الحكيم عامر وصف أنور السادات في تلك الليلة كما سبه بما يعف اللسان عن ذكره.


الانقلاب يبدأ من الجيزة

حاول الحاضرون اقناع المشير في تلك الليلة بأن هذا القرار يحقق مصلحة البلاد العليا، غير أنه كان غاضبا للغاية وأصم أذنيه تماما، وبدا أنه يعيد النظر في كل شيء متجها بفكره وبصره الي بيت الجيزة والاستعدادات والرجال هناك والمجموعة التي كانت معترضة علي اتمام هذا اللقاء، دون أن يدري شيئا بأمر الاتصالات بين سامي شرف وبين كل من الفريق فوزي واللواء حسن طلعت واللواء محمد أحمد صادق.

كانت القوة التي تم تشكيلها بعلم الرئيس عبد الناصر قد نجحت بالفعل في حصار منزل المشير بالجيزة، غير أن بلاغا تلقاه سامي شرف من قيادة تلك القوة عن حريق محدود بفيللا المشير، كاد يقضي علي ادلة الادانة التي وجهها عبد الناصر ومجلس قيادة الثورة اليه، ويضيف سامي شرف :" جاءني بلاغ من داخل البيت من مصدري هناك بأن النيران نتيجة محاولة كل من عباس رضوان وشمس بدران وبعض الضباط حرق أوراق وخرائط في بدروم المنزل، من ضمنها أوراق جمعها شمس بدران من غرفة نوم المشير علي عجل وترك ورقتين أو سقطتا منه وهاتين الورقتين، وكانتا من أهم الدلائل أثناء المحاكمة لاثبات التآمر وادانته.

ويضيف سامي شرف :" كنت أبلغ عبدالناصر أولا بأول بكل هذه البلاغات، إما عندما يخرج من الصالون ويتصل بي من غرفة مكتبه لمعرفة آخر الأخبارن أو كنت أبلغ بها أمين هويدي لينقلها للرئيس.


الانتحار الاول

فيللا المشير في الجيزة والفجر يكاد ينبلج، واذا بالفريق محمد فوزي يتصل ليبلغ سامي شرف بتمام انهاء الاعتصام والقبض علي كل من كانوا داخل المنزل، عندها فقط صعد الرئيس الي الدور العلوي بعد أن قال للمجتمعين: لما تهدأ الأمور ابقوا اندهوا علي.

كان المشير عبدالحكيم عامر قد انتقل قبل تلك الجلسة العاصفة باسابيع إلي منزله في الجيزة، وكان المنزل يتكون من طابقين وبدروم ويطل علي النيل في المنطقة بجوار فندق شيراتون القاهرة، وفيه حديقة كبيرة ومحاط بسور عال، وكان يوجد بالبدروم مكاتب السكرتارية والحراسة الخاصة للمشير، وفي هذا المنزل ازدادت الحركة حيث أخذ يتصل به الضباط من الذين عادوا حديثا من سيناء وبعض العناصر المدنية والعسكرية الأخري، إلي جانب إخوته وأقاربه الذين قدموا من "إسطال" بلدة المشير في محافظة المنيا، وقد حضر عدد منهم بناء علي طلبه للإقامة معه في منزله بالجيزة، غير أنه مع اتساع الحركة غير العادية في منزل المشير عبدالحكيم عامر، كلف الرئيس عبدالناصر صلاح نصر بالاتصال بالمشير وإبلاغه بأن هذا الوضع لا يليق وغير مقبول، وأنه يجب إنهاؤه، لكن المشير عامر رد عليه بأنه سوف يغادر منزله إلي بلدته إسطال في محافظة المنيا في صعيد مصر، وفعلا سافر إليها، وأخذ يلتقي بأفراد عائلته وأبناء البلدة ويردد في جلساته معهم أنه لن يرضي إلا بالعودة لقيادة الجيش، وأنه لن يقبل أن يكون طرطورا.. أو تشريفاتي كصلاح الشاهد! .

ويروي سامي شرف ما حدث عقب تلك الساعات العصيبة التي حاكم فيها عبد الناصر المشير أمام مجلس قيادة الثورة قائلا: خرج المشير من الصالون متوجها الي دورة المياه، وقابل أمين هويدي علي الباب فقال له: أهلا بوزير حربيتنا.. الله.. الله.. ده انتم مجهزين كل حاجة والحكاية محبوكة علي الآخر".

دخل عبد الحكيم عامر الي دورة المياه، ثم خرج بعد قليل حاملا ورقة سيلوفان فارغة وكوبا في يده رماها علي طول امتداد ذراعه قائلا: "اطلعوا بلغوا الرئيس ان عبدالحكيم خد سم وانتحر"، ثم دخل الي الصالون بهدوء ليجلس علي نفس الكنبة التي كان يجلس عليها وهو يبتسم في هدوء وكأنه لم يفعل شيئاً، فصعد أمين هويدي مهرولا الي الدور العلوي ليبلغ الرئيس الذي استقبله علي رأس السلم وقال له: أنا سمعت ما قيل واللي بيحصل ده كله تمثيل.

استدعي الدكتور الصاوي حبيب طبيب الرئيس الخاص وكان موجودا في منشية البكري فدخل علي عجل وحاول أن يقوم باسعاف المشير الذي رفض أن يستجيب له مما اضطر معه أن يقوم حسين الشافعي بالامساك بالمشير بشدة حتي يتمكن الدكتور من حقنه وحاول أن يضع اصبعه في فمه ولكن من دون جدوي.

امين هويدي ابلغ الرئيس بمحاولة المشير الانتحار اول مرة فقال له عبد الناصر: لا تصدقه ده بيمثل

في الساعة الرابعة وخمسين دقيقة تقريبا اتصل الفريق أول محمد فوزي وأبلغني أنه أنهي العملية بنجاح ومن دون أي خسائر، وأن المنزل أصبح خاليا إلا من عائلة المشير، حيث حددت اقامته هناك بين أهله وأولاده فجر يوم السادس والعشرين من أغسطس1967 تحت حراسة أفراد من القوات المسلحة المصرية.


المشير تحت السيطرة

في الخامسة والنصف صباحا حضر الفريق فوزي الي سكرتاريا الرئيس للمعلومات بعد أن تأكد من تأمين الأوضاع بالكامل في منطقة الجيزة، وبعد القاء القبض علي كل الذين كانوا موجودين ببيت المشير وفي مقدمتهم شمس بدران وعباس رضوان كما تم تفريغ المنزل من كل الأسلحة والذخائر والتي حملت في ثلاثة عشر "لوري" حمولة ثلاثة أطنان، وتولي قيادة الحراسة علي المنزل اثنان من العمداء يتناوبان علي مدي الأربع والعشرين ساعة.

ويقول سامي شرف:" كانت تعليمات الرئيس المشددة تنص علي عدم المساس بأسرة المشير وأن تكون موضع الرعاية الكاملة حتي لو حدث أي نوع من التطاول، وبعد السيطرة علي المنزل بدأ تفتيش المكاتب والبدروم فقط، وضبطت كل بقايا الأوراق والخرائط المحروقة وكذا نسخ كثيرة من الاستقالة وبعض أوراق لم تحرق كانت ذات فائدة في التحقيقات والمحكمة بعد ذلك، وبعد أن استقر المشير في المنزل تم قطع جميع الخطوط التليفونية ما عدا خطاً واحداً فقط رؤي الابقاء عليه.

حاول المشير أن يتصل بالرئيس أكثر من مرة، لكنه لم يستجب له فأرسل إليه ورقة تسلمها محمد أحمد السكرتير الخاص للرئيس، يطلب فيها رفع الاقامة الجبرية عنه والا فان الرئيس سيندم ومرة أخري لم يستجب عبدالناصر للتهديد.

غير أنه وفي الثالث عشر من سبتمبر 1967 ومع تواصل نشاط واتصالات المشير عامر تليفونيا ومعه بعض من أقاربه واخوته، بهدف تأليب الرأي العام ضد النظام بعد وضعه تحت الاقامة الجبرية، أصدر الرئيس قرارا بنقل المشير عامر الي مكان أمين منعزل يتعذر معه اجراء مثل هذه الاتصالات والنشاط، وكلف الفريق أول محمد فوزي مرة ثانية بتنفيذ القرار فتوجه وبصحبته الفريق عبدالمنعم رياض رئيس الأركان واللواء سعد زغلول عبدالكريم مدير الشرطة العسكرية وبعض الضباط من الحرس الجمهوري الي منزل المشير وكان الضابط المسؤول عن الحراسة في ذلك اليوم العميد محمد سعيد الماحي الذي شارك في تنفيذ المهمة.

وحسب رواية السيد سامي شرف فقد دخل الفريق عبدالمنعم رياض أولا ودعا المشير عامر لتنفيذ أمر رئيس الجمهورية والقائد الأعلي للقوات المسلحة فأبي تنفيذه، وتردد في البداية ولكن الفريق رياض تلطف معه ونصحه بمرافقته، وفي تلك اللحظة تناول عبدالحكيم عامر شيئا وضعه في فمه وأخذ يمضغه، مما لفت أنظار الكل والعائلة وصرخت احدي كريماته بأن أباها تناول سما، ثم دخل المشير في مرحلة فقدان الاتزان فاصطحبه الفريق عبدالمنعم رياض بسرعة الي الخارج، وحاول هو والفريق أول محمد فوزي أن يضعوه في سيارة الاسعاف التي كانت مجهزة كاجراء احتياطي، الا أن عامر رفض ركوبها فما كان منهما الا أن وضعاه في سيارتهما وتوجهوا الي مستشفي المعادي للقوات المسلحة التي كانت أخطرت علي عجل لعلاج حالة طارئة.


محاولة الانتحار الثانية

في الطريق الي المستشفي طلب الفريق رياض من المشير اخراج ما في فمه، وبعد تمنع اضطر لطرد باقي ما كان في فمه وكان عبارة عن مادة تشبه اللادن الأصفر في ورق سولفان، فتلقفه ضابط الحرس المرافق الرائد عصمت محمد مصطفي، وكان معه النقيب محمد نبيل ابراهيم والنقيب عبدالرؤوف حتاتة من الحرس الجمهوري، ووضع الرائد عصمت ما تلقفه في منديل ورق حيث سلمه للمعامل فور وصولهم الي المستشفي وهناك أجريت الاسعافات السريعة وعمل الأطباء: اللواء عبدالحميد مرتجي والعميد محمود عبدالرازق والعميد عبد المنعم القللي والمقدم عبد المنعم عثمان والرائد أحمد محمود عبدالله والرائد حسن عبد الحي علي محاولة غسيل لمعدته، ولما رفض أعطي محلولا ليتقيأ وتم ذلك فعلا وعندما قال له اللواء عبدالحميد مرتجي قائد المستشفي بعد تقيئه بشدة أنه لم يعد هناك خطر الآن علي حياته قال المشير: "ده أسوأ خبر سمعته".

ويقول سامي شرف :" بعد فترة قرر الأطباء أن الحالة اصبحت مستقرة وطبيعية ومطمئنة، وبناء علي ذلك قرر الفريق فوزي استئناف المهمة، واتجه بالركب الي استراحة المريوطية وفي الساعة السابعة مساء ذلك اليوم أظهرت المعامل نتيجة تحليل ما لفظه وتقيأه المشير عامر وأبلغ المقدم طبيب عبدالمنعم عثمان أن التحليل أظهر آثارا لمادة الأفيون.

وفي استراحة المريوطية التي سبق اختيارها كمقر لاقامة المشير عامر كان في استقبالهم هناك قرابة الساعة الخامسة والنصف من بعد الظهر، العميد محمد الليثي ناصف ومجموعة من ضباط الحرس الجمهوري والنقيب طبيب مصطفي بيومي حسنين وبعض أفراد الخدمة والاعاشة والحراسة ولم يطلب المشير شيئاً سوي عصير الجوافة، وقد مكث الفريق محمد فوزي والفريق عبدالمنعم رياض مع المشير نحو الساعة دار فيها حوار حول الموقف العسكري، وقال لهم المشير أن عليهم أن يطلبوا تعويض السلاح من الاتحاد السوفييتي الذي هاجمه واعتبره أنه خذل مصر، وقال لهما :" عندكم الرجالة كتير في البلد، وكل ما عليكم هو استئناف القتال"، ثم قال : يا فوزي ويا رياض... تبلغوا الرئيس أنه اذا لم ينه هذا الوضع في أربعة وعشرين ساعة فانه سيتحمل مسؤولية ما سيحدث".


نجا المشير من محاولة الانتحار الثانية فقال للطبيب المعالج: ده اسوأ خبر سمعته

ويقول سامي شرف :" أبلغ الفريق فوزي هذه الرسالة للرئيس، بعدما غادر هو والفريق عبدالمنعم رياض الاستراحة، وكان المشير قد طلب ماكينة حلاقة وبعض الكتب التي وصلته في نفس الليلة.


جلوكوز في الوريد

في يوم الرابع عشر من سبتمبر، لم يتناول المشير أي طعام الا بعض السوائل، وفي الساعة العاشرة من صباح ذلك اليوم تم تغيير النوبتجيات الطبية والحراسات، فاستلم الرائد طبيب ابراهيم البطاطا نوبته، وشرح له زميله حالة المشير الصحية وتطوراتها وطمأنه بأن الحالة تشير الي التحسن كما ذكر له الأدوية التي أعطاها له، لكن المشير لم يتناول طعام الغذاء نظرا لاستمرار القيء، وقرر الطبيب المعالج اتمام تغذيته بمحلول الجلوكوز عن طريق الوريد، ويقول سامي شرف :" قرابة الساعة الرابعة من بعد الظهر أبدي المشير للدكتور البطاطا شكوي من ألم في أسنانه فأعطاه حقنة نوفالجين، وبعد ذلك دخل المشير الحمام وتقيأ ثم طلب بعض الماء ليغتسل في غرفته فحمل له أحد السفرجية - منصورأحمد- الماء فاغتسل ثم رقد علي السرير، وفي الساعة الخامسة مساء دخل الطبيب حجرة المشير فوجده نائما وكان نبضه وضغط دمه طبيعيين، غير أنه وبعد السادسة بقليل وأثناء توجه الطبيب مرة ثانية الي غرفة نوم المشير سمع استغاثة السفرجي منصور الذي نادي عليه ليسرع الي غرفة المشير حيث قرر أنه سمع صوت "شخير" عال صادر عن المشير، ولما دخل الطبيب وجده راقدا علي الفراش في حالة غيبوبة ونبضه ضعيف، فسارع باعطائه حقنة "كورامين" و"أمينوفلين" كما أجري له تنفسا صناعيا من أنبوبة الأوكسجين، ولم يجد ذلك كله حيث تحققت وفاة المشير عبدالحكيم عامر قرابة الساعة السادسة وأربعين دقيقة.

وحسب تأكيدات الطبيب المعالج فإن المشير عامر لم ينطق بأي عبارات في الدقائق التي سبقت وفاته وكل ما تكلم به مع الطبيب أثناء تعليق أنبوبة الجلوكوز هو أنه قال له:
مفيش فايدة من كل اللي بتعمله ده

ويقول سامي شرف :" في الساعة السادسة وخمس وأربعين دقيقة أبلغني العميد محمد الليثي ناصف قائد الحرس الجمهوري بنبأ وفاة المشير عبدالحكيم عامر فقمت بابلاغ الخبر للرئيس بالاسكندرية في الحال وكان الخبر صاعقاً بالنسبة لنا جميعا، أما بالنسبة للرئيس فقد وضع سماعة التليفون بمجرد سماعه الخبر.
ويقول السيد سامي شرف أن الرئيس عبد الناصر أمر بابلاغ وزير العدل والنائب العام وكبير الأطباء الشرعيين فورا لاتخاذ الاجراءات القانونية والتحقيق، بل وابلغني الرئيس بأن زكريا محيي الدين وأنور السادات وحسين الشافعي وعلي صبري في طريقهم للقاهرة الآن، وقال لي: أريد عندما أصل الي القاهرة أن تكون الصورة واضحة أمامي، ولم ينتظر الرئيس تجهيز السيارات أو الحراسات بل توجه لركوب أول سيارة كانت أمامه في استراحة المعمورة، ووصل الي منشية البكري لمتابعة الموقف من مكتبه.


النائب العام يحقق

بدأت التحقيقات في واقعة انتحار المشير عامر تحت اشراف السيد عصام الدين حسونة وزير العدل وانقسم التحقيق الي قسمين:

الأول: تحقيق الطب الشرعي وقد أشرف عليه الدكتور عبدالغني سليم البشري وكيل وزارة العدل لشؤون الطب الشرعي ويعاونه الدكتور يحيي شريف أستاذ الطب الشرعي بجامعة عين شمس والدكتور علي عبدالنبي استاذ الطب الشرعي بجامعة القاهرة والدكتور كمال السيد مصطفي، مساعد كبير الأطباء الشرعيين.

والثاني: يتولاه النائب العام المستشار محمد عبدالسلام يعاونه المحامي العام وعدد من رجال النيابة العامة ويتولي التحقيق في كل ظروف الحادث ومع كل الذين كان لهم أدني علاقة به بمن فيهم أسرة المشير وأطقم الحراسة وهيئة مستشفي القوات المسلحة بالمعادي وكل من كان في استراحة المريوطية.
المشير انتحر بـ 150ميليجرام من مادة "الأكونيتين" شديدة السمية سريعة الأثر وهي مادة يكفي ميليجرام أو اثنان منها لإحداث الوفاة

وقد أصدرت النيابة العامة أول بيان لها يوم 16/9/1967 جاء فيه أن التحقيقات بدأت بسؤال كل من الفريق فوزي والفريق عبدالمنعم رياض وكل من كان له صلة في هذه المأمورية منذ أن بدأت وكذا هيئة مستشفي المعادي الخ، وجاء في البيان بعد ذلك ما يلي بالنص:"... كما ثبت اليوم بصفة قاطعة من التحليل الضوئي والكيماوي الذي أجرته مصلحة الطب الشرعي أن المادة التي وجدت مخفاة تحت الشريط اللاصق وزنها 150 ميليجرام هي مادة "الأكونيتين"، وهي عقار شديد السمية سريع الأثر، يكفي نحو ميليجرام أو اثنين منه لاحداث الوفاة في مثل الظروف والحالة التي شوهد عليها الجثمان".

..."

إنتهى النقل



انتحار عبد الحكيم عامر

يقول محمد عبد الغنى الجمسى فى مذكراته ( وبينما كنت أجلس مع اللواء أحمد إسماعيل ليلا فى جبهة القناة نراجع-كالمعتاد يوميا ـ نشاط العدو فى سيناء ونواياه فى الفترة القصيرة القادمة ، وكذا نتائج أعمال قواتنا ، قبل أن يتوجه كل منا إلى خندق النوم المخصص له ، دق التليفون وكان المتحدث هو الفريق أول محمد فوزى من القاهرة .

كان هدف المكالمة هو إخطارنا بانتحار المشير عامر فى منزله بمادة سامة شديدة المفعول كان يخيفها ملاصقة لجسمه تحت الملابس الداخلية ، ولكن الكشف الطبى أجرى عليه بواسطة لجنة طبية على مستوى عال بالدولة ، وانه سيعامل معاملة أى منتحر آخر بالنسبة لتشييع جنازته بعد تسليم الجثة لأسرته . ومعنى ذلك أنه لن تكون هناك أى مراسم عند تشييع الجنازة .

أخذ اللواء أحمد إسماعيل يناقشنى فى رد الفعل المنتظر لهذا الحادث بين القوات فى الجبهة ، ووصلنا إلى نتيجة مؤكدة هى ان انتحار المشير عامر لن يكون له تأثير عام فما زالت حرب يونيو باحداثها ونتائجها المريرة تترك أثرها العميق فى نفوس كل العسكريين بعد ان فقدنا سيناء ، واستشهد لنا الآلأف من رجال القوات المسلحة ، ولم يكن احد قد نسى دوره فى الهزيمة كقائد عام للقوات المسلحة . واستعدنا معا الحالة السيئة التى وصلت إليها القوات المسلحة فى ظل قيادته ، وكان ذلك سببا رئيسيا من أسباب الهزيمة.

وأصدر النائب العام قراره فى الحادث يوم 10 / 10 / 1967 وجاء فيه " وبما أنه مما تقدم يكون الثابت أن المشير عبد الحكيم عامر قد تناول بنفسه عن بينة وإرادة مادة سامة بقصد الانتحار ، وهو فى منزله وبين أهله يوم 13/ 9/1967 ، قضى بسببها نحبه فى اليوم التالى ، وهو ما لا جريمة فيه قانونا . لذلك نأمر بقيد الأوراق بدفتر الشكاوى وحفظها إداريا ".


وكان ذلك هو المصير النهائى للمشير عامر ، الذى كان برتبة رائد عند قيام ثورة 23 يوليو 1952 ، وبعد أقل من عام ترقى لرتبة اللواء مع تعيينه قائدا عاما للقوات المسلحة فى 18 يوينو 1953 ثم ترقى بعد حوالى 5 سنوات إلى رتبة المشير فى 20 فبراير 1958 ، وأصبح نائبا للقائد الأعلى للقوات المسلحة ) ـ لواء محمد عبد الغنى الجمسى رئيس هيئة عمليات حرب أكتوبر 1973.

المصدر : حرب أكتوبر 1973 مذكرات محمد عبد الغنى الجمسى ـ الطبعة الثانية عام

0 comments:

Blog Archive