اخبار لم تسمع عنها وفيديوهات لم تشاهدها واصدقاء بانتضارك على الشات

شاهد بيتك او مدينتك عبر القمر الصناعي

الرئيس والعريس بقلم عادل حمودة


يحاول " الدكتور " عبد المنعم سعيد جاهدا أن ينجح في الجراحة القسرية التي يجريها في عقولنا مستخدما وسائل القطع والبتر واللصق كي نقتنع بأن أشرف مروان لم يكن عميلا للمخابرات الإسرائيلية وإنما بطلا قوميا.

ورغم براعة " الدكتور " وخبرته السابقة فإن صعوبة الجراحة واستحالة نجاحها فرضت عليه أن يجريها وكأنها مسألة "مصيرية " بالنسبة إليه.. كأن نجاحه فيها سيحدد مستقبله الطبي قبل الصحفي. لقد كتب في الأهرام عدة مقالات متتالية ومتشابكة بدا فيها حاويا يدخل في جرابه السحري فأرا متصورا أنه سيخرجه فيلا.. أو يدخل عميلا سريا للعدو في عيوننا ليخرج نموذجا للشرف القومي من آذاننا.. أو بمجرد أن ينطق بكلمته السحرية سنقتنع بأن أشرف مروان لم يكن جاسوسا وإنما وليا صوفيا.

وقد تابعت " الشو " الجراحي الذي قدمه "الدكتور " وتفاعلت معه ولم أشأ أن أعلق عليه.. لكنه.. فجأة ضرب مشرطه خطأ في القلب.. فمات المريض في يده.. وفشلت "العملية ".. لكن.. الغريب أنه واصل عمله ليخرج علينا فرحا باكتشافه السياسي الذي سيغير مجري التاريخ.

كانت السكتة القلبية في مقالاته لحظة أن قال إن جمال عبد الناصر هو الذي أرسل زوج ابنته ووالد أحفاده إلي الموساد عام 1969 كي يلعب دور العميل الخفي في إسرائيل.. واعتبر أن ذلك أمر مسألة عائلية وشخصية بين الرئيس وصهره ( أو مسألة خفية بين الرئيس والعريس ) لم يعلم به كهنة النظام الأمني والرئاسي.. مدير المخابرات العامة.. مدير المخابرات الحربية.. وزير شئون رئاسة الجمهورية.. مثلا.

ويبرر " الدكتور " ذلك بحب جمال عبدالناصر للعمل السري الذي مارسه قبل الثورة وأوصله إلي الحكم.. وكأن عملية " مروان " هي نوع من الحنين لسنوات نشاطه السري ما تحت الأرض.

ثم بعد ذلك نجد " الدكتور " يبكي علي صهر الرئيس الذي ضحي به حماه ولو كان الثمن ضياع مستقبل عائلة ابنته ليكون من السهل أن نصدق مدي قسوة قلب الزعيم الراحل حتي علي أقرب الناس إليه.

يخترع " الدكتور " قصة ميلودرامية مستوحاة من أفلام أمينة رزق دون أن يدلل عليها ثم يمزق قلوبنا بسببها.. لكنه في الحقيقة يحاول بها سد الثغرة في قصة البطولة الوهمية التي يحاول أن يمنحها لـ أشرف مروان.

الثغرة هي أن مدير المخابرات الأسبق أمين هويدي كان لا يعلم بعلاقة أشرف مروان بالمخابرات الإسرائيلية ولا سامي شرف كاتم أسرار جمال عبد الناصر ووزير شئون الرئاسة بل إن سامي شرف قال لي ذات يوم وفي وجود أشرف مروان علي قيد الحياة إنه " لو أن جمال عبد الناصر كان يعلم بأن زوج ابنته يتعامل مع الإسرائيليين لضربه بالرصاص ".. بل أكثر من ذلك ذهبت مني عبد الناصر إلي سامي شرف بعد وفاة زوجها وطلبت منه بيانا أو تصريحا بأن والدها كان يعلم بعلاقة زوجها بالموساد فرفض فلم تتمالك نفسها وربما تجاوزت حدا من الحدود.

هنا يخرج علينا " الدكتور " ليقول بسهولة : وإيه يعني.. لا أحد من هؤلاء كان يعلم بموافقة جمال عبد الناصر علي عمل أشرف مروان مع الإسرائيليين.. فالسر كان بينهما وحدهما.. لم يكشفه وينشره إلا " الدكتور " وحده.. دون أن يقول لنا كيف عرف ما لم يعرفه كل رجال الرئيس ؟.

ونسي " الدكتور " إن زرع عميل مصري مسألة ليست بهذه السذاجة.. أذهب يا بني إلي المخابرات الإسرائيلية واخدعها.. المسألة أشد تعقيدا من ذلك.. فكل عميل لابد أن يتابعه فريق كامل من المدربين المحترفين لا يتركونه إلا بعد كشفه أو عزله.. وهو أمر لا يحتاج إلي فطنة.. مسلسل رأفت الهجان يقوم علي ذلك.

ومن سوء حظ " الدكتور " أنه قبل أن ينتهي من نشر مقالاته خرجت إسرائيل لتعلن أنها ستحقق مع مدير المخابرات الحربية وقت حرب أكتوبر الذي كشف عميل الموساد أشرف مروان.. مثل هذه التحقيقات تجري مع من يكشف عميلا لهم لا عميلا عليهم.. وتفاصيل الخبر داخل العدد لعل " الدكتور " يسارع بتغيير وجهة نظره أو علي الأقل يتعامل معها بيقين أقل مما نشعر به.

أما مسألة أنه كان بطل الخداع الاستراتيجي في الحرب فحرام قول ذلك فقد أبلغ الإسرائيليين بأن موعد الحرب في السادسة من يوم السادس من اكتوبر وهو الموعد الأول لساعة الصفر.. أما لماذا لم يصدقه الإسرائيليون ــ رغم أن الملك حسين أبلغهم هو أيضا بالموعد ــ فالسبب أنهم لم تكن لديهم الثقة بأن المصريين سيحاربون.. فكانت هزيمتهم.. تماما كما كانت هزيمتنا عندما حشدنا الجيوش في سيناء دون أن نتصور هجوم إسرائيل علينا.

ولو كان السادات قد منح أشرف مروان وساما علي الخدمات التي قدمها للوطن فقد تكون هذه الخدمات المساعدة في صفقة طائرات الميراج التي ساعدتنا بها ليبيا في حرب أكتوبر.. وفي نفس الوقت عرفنا فيما بعد أن أجهزة أمنية رفيعة المستوي قد قامت بتفتيش مكتبه سرا.. فلا يمكن لمثل هذه الأجهزة أن تفتش مكاتب الأبطال الوطنيين من حاملي الأوسمة.

يا " دكتور " عد إلي الموسيقي الكلاسيكية فالعزف علي آلات النفخ في قربة مقطوعة لا يناسبك.

والحقيقة أن أشرف مروان هو الذي عبث بسمعة عائلة جمال عبد الناصر وألقي الكثير مما يثير القرف والغثيان عليها وشوه تاريخها قبل التطوع للخدمة في الموساد وبعده.

لا يمكن قبول منطق " الدكتور " بمسألة "زرع ".

0 comments:

Blog Archive