اخبار لم تسمع عنها وفيديوهات لم تشاهدها واصدقاء بانتضارك على الشات

شاهد بيتك او مدينتك عبر القمر الصناعي

ربع جرام إبداع

بقلم حمدى رزق ٢٦/٧/٢٠٠٨

وليس «ربع جرام» سوي كتاب يدور في فك الرواية بأسلوب قصصي أقرب إلي «تقرير صحفي» مطول، سواء من حيث تقنية كتابته أو من حيث لغته وجمالياته، برغم ذلك.. صنفه الناس ـ وليس النقاد ـ كرواية، بل إن كاتبه نفسه سجل علي غلافه اعترافاً بـ «النوع الروائي» لصفحاته..

وذكر علي غلاف الكتاب «رواية واقعية»! هذه الرواية ـ الواقعية ـ ثم طبعها للمرة السابعة الأسبوع الماضي.. كانت طبعته الأولي صدرت في مارس الماضي، مما يعني أنه حقق سبع طبعات في ٤ شهور.. وما يزيد الأمر غرابة، أن صفحاته تبلغ خمسمائة صفحة.. في زمن عزت فيه القراءة!

ومن يطالع «ربع جرام» سيقف من دون شك علي عتبات عمل أدبي من نوع مغاير تماماً، إنها يوميات وحكايات متشابكة عن عالم إدمان المخدرات في أوساط الشباب المصري، ولعل أول ما يصدم القارئ أن هذا العمل مكتوب باللغة الدارجة لتجار المخدرات وزبائنهم، فكل من يقرؤها ربما يشعر بأنه وجد نفسه أو صديقه أو جاره بين السطور «بخاصة لو كان ينتمي إلي جيل ما تحت الثلاثين سنة».

استغرق عصام يوسف ثلاث سنوات في كتابة ربع جرام، وينوي استكمال كتابة المزيد من الأعمال بنفس اللغة الصحفية والقالب الواقعي الصادم التقريري الذي نحت من خلاله «ربع جرام».. لا يبالي بالانتقاد الواسع الذي شنه ضده كبار النقاد والروائيون، ممن رموا «ربع جرام» بأنها عمل غير روائي من الأساس!

وحتي صدور عمله «البوليسي» هذا، يبدو أن عصام يوسف سيحطم الرقم القياسي في سباق «الأعلي مبيعاً» ليطاول الرقم الذي حققته عمارة يعقوبيان، وسط حالة من الانقسام النقدي والفني حول «ربع جرام» بين محتف بها، وساخط عليها، ومذهول منها.. وغير مكترث بها!

وربما كانت روح «القلق» التي تسيطر علي قطاعات من المثقفين المصريين من جيلي الوسط والشباب «بين العشرين والخمسين»، هي ما يفرز هذا النوع من الكتابة المباشرة، التي لا يبالي كتابها إلا بالواقع،

ولا تهمهم القوالب النقدية، ولا آراء زملائهم الروائيين، فقط يراهنون علي القارئ، ويشعرون بأنه شريكهم الحقيقي في هذه الهموم التي يلقون بها علي صفحاتهم البيضاء، وتضمها في النهاية دفتا كتاب،

لا يهمهم حتي إن كان رواية أو مجموعة قصصية.. فكأنه زفرة ألم أو صرخة اعتراف كانت مكتوبة لوقت طويل، أراد أصحابها أن يخرجوها علي الورق فتلقفها الجمهور بترحاب شديد!

ويبدو أن لقب «الأكثر مبيعاً» ليس سوي «موجات» تعلو مع علو اهتمام المجتمع بفحوي هذا النوع من الكتابة أو ذاك، وليست صرعة «الأكثر مبيعاً» بجديدة كما يتصور البعض.. ففي الخمسينيات والستينيات حققت ثلاثية شيخ الرواية العربية نجيب محفوظ الأمر نفسه.. وفي الستينيات والسبعينيات تصدرت ثلاثة أسماء بعينها قائمة الأكثر مبيعاً، إحسان عبدالقدوس وأنيس منصور ود. مصطفي محمود ولكل أسبابه.

ففي مجتمع يدخل في صراع مع الاستعمار ومع الصهيونية ويخوض معركة بناء الاشتراكية ـ كما مصر في الستينيات ـ كان لابد من جنوح القارئ إلي كتابات إحسان عبدالقدوس المخملية، وفي مجتمع مصدوم بالفساد وتضخم الثروات غير المشروعة ـ بعد الانفتاح في السبعينيات ـ لابد من الإقبال علي الروح والعالم الآخر كما في كتابات د. مصطفي محمود،

هروباً من هذا الجحيم، وفي مجتمع قلق يشهد تحولات أساسية ـ كما مصر في القرن الواحد والعشرين ـ لابد من شيوع أدب البوح كما «تاكسي» و«ربع جرام» وأعمال علاء الأسواني «عمارة يعقوبيان نموذجاً»، فالمجتمع كله يتجه إلي المصارحة والبوح كمدخل للإصلاح.

0 comments:

Blog Archive