من قال أن مصر بلد فقير‏..‏؟

كتب - عصام رفعت



هذه المقولة غير صحيحة علي الاطلاق جملة وتفصيلا‏..‏ شكلا ومضمونا‏..‏ ذلك ان مصر ـ من ناحية الموارد ـ تعد دولة غنية بمواردها علي الارض وتحت الارض‏..‏ وبمن يمشون فوق الارض‏..‏ مصر دولة غنية بموارد المياه والارض والثروة المعدنية والتعدينية والسواحل وكذلك السواعد‏..‏ وقد يسأل البعض كيف تفسر اذن الفقر الذي يتحدث عنه البعض والذي تعاني منه نسبة ملحوظة من السكان؟

والرد عندي هو ما قاله احد كبار الاقتصاديين العالميين عندما زار القاهرة في اوائل الستينات وقال آنذاك‏:‏ ان مصر دولة مليئة بالموارد والامكانيات ولكن بشرط أن تدار بحكمة‏..‏ وهذه هي الحقيقة الثابتة‏:‏ لدينا موارد‏..‏ لدينا امكانيات ولكن المشكلة بالدرجة الاولي هي ادارة هذه الموارد‏..‏ والامثلة كثيرة علي اهدار الموارد أو عدم الانتباه الي اهميتها حتي يأتي من ينبهنا اليها والي الثروة الكامنة فيها‏..‏

ولعلنا نتذكر في وقت تولي الدكتور عاطف عبيد مسئولية رئاسة وزارة مصر أن خرج علينا بقائمة شبه جرد لامكانيات وموارد مصر حدد فيها بوضوح تلك الموارد والامكانيات وقيمتها بالمليارات التي تفوق الانتاج المحلي الاجمالي‏..‏ وحجم الديون وغيرها‏.‏ مصر اذن ـ يقينا ـ ليست دولة فقيرة من ناحية الموارد وهي ايضا كذلك من ناحية السيولة النقدية‏..‏ الاموال السائلة التي في السوق والتي في البنوك‏..‏ والتي يوجهها القطاع العائلي الي الاستهلاك الضروري والترفي‏..‏ ان صور الاستهلاك هذه تقول ان الاموال بين ايدينا وتجري انهارا أمامنا وهناك من يشكو الفقر‏..‏ وهذه الاموال تتجه جميعها الي الاستهلاك دون ان تفكر لحظة في ان تعرج الي خط الاستثمار‏..‏

خذوا أمثلة‏..‏
هل منكم من زار محلات كارفور وهايبر وغيرهما من السوبر ماركت الضخمة؟‏..‏ هل رأيتم حجم الشراء الهائل وهذا النهم الاستهلاكي الضخم بغير مثيل أو مبرر؟‏..‏ من اين جاء الناس بالفلوس؟‏..‏ انهم يشترون كل شيء وأي شيء وبكميات مهولة‏..‏ ان حجم الشراء من هذه المحلات وانواع السلع المشتراة وقيمة المبيعات اليومية تحتاج الي دراسة تحليلية تقول لنا من يشتري ماذا ومن أين وكيف تنفق تلك الاموال الضخمة علي هذه السلع‏.‏ خذوا امثلة اخري من قطاع الاسكان‏..‏ هناك نمو غير معقول في المنتجعات والفيلات‏..‏ واسعارها‏..‏

واسعار الاراضي بشكل غير مبرر وغير واضح وغير مفهوم‏..‏ وهذه الاعلانات الضخمة والفخمة التي تزخر بها الصحف يوميا عن فيلات ومنتجعات ورفاهية‏..‏ لمن؟ انها تجد من يشتريها بالملايين‏..‏ الاراضي وجنونها وماحدث لها وفيها وعليها‏..‏ وان تتحول قيمة اراضي الطريق الصحراوي القاهرة ــ الاسكندرية من‏200‏ جنيه للفدان عام‏1997‏ الي‏600‏ جنيه علي الاقل للمتر الواحد الآن ومايزيد علي ذلك في بعض المنتجعات‏..‏

وان تتحول وظيفة هذه الاراضي من الاستصلاح والزراعة الي الجولف وحمامات السباحة دون ان يتحمل الذين عملوها الثمن‏..‏ هذه امور نقف عندها‏..‏ ايضا اسعار الشقق في المناطق الجديدة تحت الانشاء والتي تصل فيها سعر الوحدة الصغيرة الي مايزيد علي نصف مليون جنيه‏..‏ وان الشركات لا تلاحق الطلب عليها والدفع السريع لقيمتها‏..‏ واكثر من ذلك الجنون الذي اصاب الشقق والوحدات السكنية في كل المناطق حتي ان البعض لا يتردد أو ينكسف ان يكتب سعر الشقة‏2.5‏ مليون جنيه أو كذا ألف يورو‏..‏ نعم الشقق تباع الآن باليورو لأن الدولار واقع‏!!‏

هل تريدون علامات اخري علي ان مصر دولة غنية وليست فقيرة؟
خذوا مثلا ما قامت به البنوك العام الماضي من اقراض لنشاط بيع السيارات حيث اقرضت تلك البنوك عملاء لشراء سيارات بالتقسيط عددها‏340‏ ألف سيارة‏..‏ وتصبح سوق السيارات هي السوق النشطة الثانية بعد السوق العقارية‏..‏

ماذا يقول كل هذا؟‏..‏ يقول البلد فيها فلوس‏..‏ وفلوس كثيرة لكنها تذهب الي الاستهلاك وليس الاستثمار لانه ليست هناك مشروعات مقنعة للاستثمار وارباحه‏..‏ ولا عائد سريع‏..‏ ولا توجد آليات سهلة لتوجيه جزء من تلك الاموال الي الاستثمار‏..‏اننا لسنا ضد الرفاهية‏..‏ ولكن الرفاهية يجب ان تتحقق من خلال الاستثمار والانتاج وليست السمسرة أو المضاربة‏.‏ ان الاقتصاد الوطني ليس منتجعات أو ابراجا وحمامات سباحة وجولف يستمتع بها البعض وتعمل في انشائها ايد عاملة تنصرف عنها عندما يتم تسليم مفاتيحها الي اصحابها‏..‏ ولكن الاقتصاد الوطني هو جهد واستثمارات وصناعة وزراعة وخدمات‏..‏ وكلها تحتاج الي فكر خلاق وابداع‏..‏ وليس تجميعا لمكونات يتم استيرادها‏..‏