اخبار لم تسمع عنها وفيديوهات لم تشاهدها واصدقاء بانتضارك على الشات

شاهد بيتك او مدينتك عبر القمر الصناعي

أن يفكر لك عمرو خالد


 الشرق الاوسط اللندنية




مشاري الذايدي

تشاء صدف القدر ان يكون التصويت الذي أجرته المجلة السياسية الأمريكية الشهيرة «فورين بولسي» لاختيار أهم المفكرين المؤثرين في العالم، في حيز زمني متقارب مع وفاة المفكر المصري عبد الوهاب المسيري.

المجلة الأمريكية، وعبر موقعها على الانترنت، فتحت التصويت لزوارها وقرائها لترشيح من يرون انه الأهم فكرياً والأكثر تأثيراً، في استفتاء انتهي (مايو ـ أيار 2008) وكانت النتائج مثيرة ولافتة للنظر، فقد تصدر الشيخ المصري الاخواني يوسف القرضاوي، مع الداعية التلفزيوني الحديث عمرو خالد، مواقع متقدمة جدا في العشرة الأوائل. جاء القرضاوي ثالثاً وعمرو خالد سادساً، أكرر: على مستوى العالم. وفي الثالث من الشهر الحالي، توفيَّ المفكر المصري «الثائر» عبد الوهاب المسيري في القاهرة. وبين الموضوعين قصة طويلة ومثيرة.

فيما يخص الاستفتاء، فإن التسرع باستخلاص نتائج نهائية عن واقع اتجاهات القراءة، أو بالأحرى «اللا قراءة!» في العالم العربي، يعد أخذا بخلاصات مبتورة، وتصورات منقوصة. والسبب في ذلك، أننا في العالم العربي والإسلامي نعيش حالة من التوتر الديني والسياسي، بسبب جرح الهوية الذي لم يندمل بعد، فهو جرح ما زال مفتوحاً منذ أن واجهنا الغرب المتقدم علينا، منذ لحظة غزو نابليون لمصر، وهو يقتحم ديارنا، ويعرِّي تخلفنا العلمي المريع، ومنذ أن ولدت الدولة الوطنية الحديثة، وهي تحمل في أحشائها علل الأسئلة العالقة، والاختلافات العريضة على تحديد هوية هذه الدولة، ورسم هدفها، وأيضا الجدال حول الدولة الوطنية بحدودها وعلمها ودستورها ونشيدها الوطني، وهل هي دولة دينية أو مدنية، وهل هي «قطر» قومي لن يملك شرعية الحياة والوجود إلا بعد أن يلتحم بـ«الأمة» العربية، أم هو «إمارة» إسلامية ليس إلا، تمثل حبة في عقد «الخلافة» الإسلامية الغائبة؟ من نحن؟ ما هي هويتنا؟ وما هي أولويتنا؟، وهل نحن دول وطنية، أم إمارات إسلامية، أم أقطار عربية؟ ما هي التنمية؟ ما هي العلمانية؟ وبماذا نصف علاقتنا مع الهويات الفرعية: العشيرة، الطائفة، الإقليم، العرق؟ كل هذه الأسئلة، وما طاف بها من شهب الأجوبة، هو الذي أنتج لنا في العالم العربي أبرزَ التيارات السياسية والفكرية، لأن السؤال المركزي كان وما زال هو سؤال الهوية، وهذا موضوع جدال ونقاش طويل بين المثقفين العرب، لأن البعض يرى أن سؤال الهوية ليس إلا قناعاً يخفي سؤالا أكثرَ بساطة ومباشرة، وهو سؤال العدالة الاجتماعية والاقتصادية. في كل حال، لا فرق في الحصيلة النهائية، سواء كان جدل الهوية قناعاً لجدل العدالة الاجتماعية والاقتصادية، أو هو سؤال قائم بذاته ويشتغل بذاته وبقوته الداخلية، فإنه هو العنوان لهذه المعارك السياسية والإعلامية التي نراها في المشهد العربي.

الرافضون، يرون أنه يجب مكافحة الطبقة السياسية العربية الحاكمة لأنها خائنة للهوية، العربية القومية عند القوميين، أو الهوية الإسلامية، عند الإسلاميين، أو كلاهما معاً عند بعض من التقى به البحران الهائجان، بحر الرفض الإسلامي، وبحر الرفض القومي، كما يجسد ذلك أصحاب المؤتمر القومي الإسلامي.

بالعودة إلى نتائج استفتاء «فورين بولسي»، ومع التأكيد على هيمنة عاطفة المناصرة الإسلامية للشيخ القرضاوي وعمرو خالد، في أجواء العداء والاستقطاب التي تسود العالم بعد 11 سبتمبر (أيلول) وما بعده، إلا أنه يظل حدثا مهما في تصوير طبيعة الإنسان العربي الآن.

لنأخذ مثالا واحدا من ابطال هذا الاستفتاء لضيق المساحة: عمرو خالد، مَنْ هو عمرو خالد؟ وكيف تفوق على أسماء مثل المغربي محمد عابد الجابري، وعبد الله العروي، أو الجزائري محمد أركون، او الليبي الصادق النيهوم، أو التونسي هشام جعيط، أو المصري طه حسين، او العراقيين هادي العلوي وعلي الوردي، وغيرهم كثير، وهؤلاء المفكرون كتبوا ونظَّروا كثيرا في دراسة العقل العربي والثقافة الإسلامية، ونقبوا كثيرا في الذات العربية والإسلامية ومشكلاتها.

وحتى لا يُفهم من ذكر هذه الأسماء الانحياز إلى تيار علماني محدد، نسأل أيضا: أين ذهب اهل الفكر والتنظير ممن هم محسوبون على التيار الإسلامي، بالشكل العريض لهذا الوصف، أمثال حسن الترابي وراشد الغنوشي وطه عبد الرحمن، والراحل: عبد الوهاب المسيري الذي سخر بحوثه وجهوده من أجل مقارعة الفكر الغربي وفضح علمانيته «اللا إنسانية»، محاولا خلق نموذج إسلامي ثوري إنساني، وكان سخيا ودائبا في هذا العمل، وهو الذي أتى من خلفية يسارية رومانسية، مشبعة بالطهر الثوري والانحياز الشرس للطبقات المسحوقة، حتى استحق عن جدارة أن يكون «فيلسوف» الرفض الاسلاموي المعاصر.

لماذا أصبح فوكوياما، وبرنارد لويس، وحتى المفكر التركي الإسلامي اليساري، فتح الله غولن، والاقتصادي البنغالي محمد يونس، والمفكر الفرنسي اوليفه روا، والفيلسوف الألماني هابرماس، وغيرهم، هم من يؤثر في مجتمعاتهم حقاً؟ وحتى حينما ذكر البابا بنديكت السادس عشر في القائمة، فإنما ذكر بوصفه فليسوفا لاهوتيا في المقام الأول، لا بوصفه مجرد رجل دين. هل نحن كما قالت الكاتبة دلال البزري في مقالتها الأخيرة في جريدة «الحياة» معلقة على فوز نجوم التلفزيون الدينيين العرب، لا نقرأ. فقط «نشاهد» الفكرة والفن.

هل وعظ عمرو خالد (بالمناسبة وصفته المجلة الأمريكية بالمبشر التلفزيوني الديني) جاء بجديد؟ هل اجترح خطاباً دينياً منفصلاً عن الخطاب القديم؟ أم أنه تحسين للأسلوب والمظهر والمحتوى واحد؟

ربما يكون الجواب عن هذا السؤال ليس مهماً، لكن المهم معرفة لماذا يحظى هذا المبشِّر التلفزيوني بهذه الشعبية لدى الشباب العربي، هل هي أزمة هوية وخوف من اقتحام التحديات الفكرية والسياسية الحالية، وتعويض هذا الخوف بالالتصاق أكثر بجدار الهوية الحامي، بمسحة عصرية هذه المرة.

في تقديري، أن إجراء دراسة حقيقية للتعرف إلى سبب وجود ظاهرة عمرو خالد، ورفاقه، واجب نقدي كبير، ليس على سبيل التحريض أو الحملة، بل لأن الأمر يدعو فعلا إلى الفضول ويثير شهية التعرف إلى ما وراء الأستار. وهنا أشير إلى أن من آخر ما كتب عبد الوهاب المسيري مقالا شرح فيه ظاهرة عمرو خالد، وأشاد به لأنه في نظره نقل مستوى الخطاب الوعظي من الوعظ «القوطي» كما قال، إلى الخطاب الوعظي الإحيائي، ويعني المسيري بالقوطي هنا أسلوب الرواية في منتصف القرن 18 الأوروبي، نسبة إلى المعمار القوطي الشاهق والمخيف بردهاته، ويعني بالرواية القوطية تلك الروايات التي ظهرت في البلاد البروتستانتية، جاعلة شخصيات الشر كلها كاثوليكية. وكان الهدف من مثل هذه الروايات، كما قال المسيري في مقالته («الدستور» المصرية 3 نوفمبر ـ تشرين الثاني 2007) أن يهرب الإنسان من العالم المادي إلى شيء مثير للخيال والعواطف التي يهمشها العقل المادي. ويرى فيلسوف الرفض الاسلاموي أن خطاب الوعظ التقليدي، والسلفي، القائم على التخويف من عذاب النار والقبر والتبشير بالجنة (وهو ما لم يذكره المسيري، أعني التبشير بالنعيم الأخروي في الوعظ القديم)، ليس إلا نمطا «قوطيا» وعظيا. ميزة عمرو خالد ورفاقه أنهم خرجوا عليه من خلال ربط الدنيا بالدين وتحويل الدين إلى حافز لـ«الثورة» الايجابية؟

وهنا نتوقف كثيراً عند مسألة مهمة: دائما ما يقول الدعاة الجدد أنهم لا يتحدثون في الفتوى ولا السياسة؟ لكن هذا عند التأمل ليس صحيحاً، وحتى المسيري الذي أشاد بالواعظ «اللا قوطي» عمرو خالد، قال إن عدم حديث الأخير عن العدالة الاجتماعية، يؤخذ عليه. وإن قول عمرو خالد أنه لا يقوم بنشاط سياسي، غير صحيح في الجوهر. المسيري أشار بالتحديد، في سياق الاعتذار لعمرو خالد، إلى برنامجه «صناع الحياة»، وقال في مقاله المشار إليه قبل قليل: «ما حققه الرجل من مكاسب من خلال مشاريع مثل «صناع الحياة» ـ وهي في النهاية ذات طابع سياسي واقتصادي غير مباشر ـ تجعل من بعض التنازلات التفصيلية أمورا يمكن التغاضي عنها».

لا ندري، هل نعتبر حصيلة استفتاء مجلة «فورين بولسي» إشارة حادة إلى غياب القراءة الواعية وضمور النقد، وهيمنة نسق الوعظ ـ حديثه وقديمه ـ على عقلنا، أم أن هذه النتيجة ليست إلا مرحلة عرضية عابرة، تشير إلى حالة الإحباط، وشعبية الحلول السهلة المريحة، ونجومية من يبشر بأمثال هذه الحلول؟ نتمنى التوقع الثاني، ونخاف الاول، وننتظر تحولات الليالي والأيام.




 




هارد ديسك على الانترنت و مجانا ... فكرة ممكنة




0 comments:

Blog Archive